مدينة غدامس الليبية: تصميم بيئي بامتياز

غدامس هي واحة على حافة الصحراء الكبرى في جنوب غرب ليبيا على الحدود مع الجزائر وتونس. وتضم 1300 منزل ومزارع و تقع على طريق تجاري مهم من وسط أفريقيا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.

تظهر الأدلة الأثرية أن المنطقة كانت مسكونة في العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. أصل اسم المدينة عليه اختلاف.  تروي الأسطورة أن مجموعة من المسافرين خيموا في وادي ذات ليلة، وعند حزم أمتعتهم في اليوم التالي اكتشفوا أن إحدى أواني الطعام الخاصة بهم مفقودة. تذكر أحد أفراد المجموعة أنها فقدت وقت تناول طعام الغداء في اليوم السابق. عاد إلى المكان الذي كانوا فيه، فحفر حصانه في الأرض وصادف ينبوعاً. ولا يزال الينبوع، وهو المصدر الرئيسي للمياه في معظم تاريخ غدامس، يسمى عين الفرس (نبع الخيل). وذلك يُقال أن كلمة “غدامس” تحريف للكلمة العربية  “غداء الأمس”.

ونظرًا لحقيقة أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان قبل فترة طويلة من الفتح العربي، فمن المرجح أن الاسم مشتق من اسم مدينة رومانية في سيديموس، التي أنشئت بالقرب من المكان في عام 19 قبل الميلاد. و تلاها الحكم البيزنطي. حتى فتحها العرب عن طريق عقبة بن نافع عام 42هـ/ 581م، حيث شهدت ازدهرت الحضارة بتميز, و كان للمسلمين دور في إثرائها وتميزها الثقافي والأممي واتخذت المدينة شكلها الحالي الذي نراه اليوم.


Photo by: Franzfoto

لعبت المدينة قديما دورا تجاريا مهما نظرا لموقعها الاستراتيجي حيث كانت تمثل محطة رئيسية على طريق القوافل التجارية المارة جنوب الصحراء الكبرى والتي كانت تقف فيها للراحة والتزود بالماء والمؤونة ولقد عرفت ازدهارا اقتصاديا وتوسعا عمرانيا كبيرا، كما تضاعف عدد سكانها.

Photo by Giulio Aprin

العوامل التي ساهمت في تشكيل نسيج مدينة غدامس العمراني:

أ.     العامل الجغرافي:
وجود عين الفرس في وسط واحة غدامس و المساحات الكبيرة من أشجار النخيل خلق بيئة مناسبة للاستيطان.

ب.    العامل الاجتماعي:
أهمية تواجد الخصائص المثالية لمدينة الإسلامية. تتكون المدينة من أحياء سكنية و كل حي سكني تقطنه قبيلة معينة وكل حي له مداخلة الخاصة و مسجد رئيسي وساحة السوق المركزية.

ج.    المناخ و الراحة الحرارية في المباني:
تتمتع مدينة غدامس بمناخ قاس لكونها في منطقة صحراوية، خلال القرون المتتالية بنى سكان مدينة غدامس نمط الهندسة المعمارية للمدينة القديمة المصمم للتعامل مع حرارة الصيف وبرد الشتاء.

Photo by Giulio Aprin

المواد المستخدمة:

تم بناء المنازل من الطوب الطوب الطيني المحلي والحجر الجيري وخشب النخيل والجير، تتميز هذه المواد بمقاومة حرارية عالية و تحتفظ الجدران السميكة بالحرارة في الشتاء وتحافظ على برودة المناطق الداخلية في الصيف. بالأضافة لميزة الجير عند استخدامه في تغطية الجدران الخارجية لعكس نسبة تتراوح من 10-30% من الشعاع الشمسي.


Photo source: Archnet

أسطح المنازل مترابطة، والعديد من الشوارع مغطاة، مما يسمح بزيادة الظل والخصوصية والأمان. و تبين الأبحاث أن تراص المبان ببعضها البعض تقلل المساحة المعرضة للعوامل الخارجية و بالتالي يقل الكسب الحراري و يزيد مستوى الراحة في داخل المبنى. كما أن استخدام شبكة الشوارع الغير مستقيمة و الضيقة و المغطاة يعمل على كسر و تقليل سرعة الرياح خاصة الرياح الحارة صيفاً او الباردة شتاء المحملة بالغبار و كلما قلت سرعة التيارات الهوائية قلت كمية الحرارة الداخلة. و يتحقق الجانب الاجتماعي من هذه الآلية للبناء خلال النهار، حيث يتجول الرجال في الشوارع، بينما للنساء حرية التحرك فوق أسطح المنازل المترابطة.


Photo by Giulio Aprin

تخطيط المنازل الداخلي يعتمد نظام العمودي متعدد الطوابق و الذي يعمل كعازل حراري متعدد الطبقات يساعد على مقاومة و تقليل الكسب الحراري. بالأضافة الى تقليل المساحة الأفقية المعرضة للإشعاع الشمسي أو الرياح سواء كانت باردة أو حارة.


مخططات منزل في مدينة غدامس

Source: Alabid, Jamal et al. “Simulation of Traditional and Contemporary Dwellings in Ghadames, Libya.” (2017).


Photo by Giulio Aprin

أيضاً يتميز بمنعه للنظرة العابرة حتى من كشف خصوصية الأسرة حيث تشغل المخازن الطابق الأرضي، و يؤدي الدرج إلى غرفة المعيشة  التي تحتوي على باب يفتح للسقف يٌدخل أشعة الشمس. غرفة المعيشة تتزين بالألوان والملمس والديكور الحيوي: لوحات جدارية هندسية باللون القرمزي اللامع، ووسائد وسجاد منقوش بشكل فاخر، وخزائن ومنافذ تحتوي على تذكارات عائلية وعشرات من الأواني النحاسية المعلقة على الحائط والمرايا التي تعمل أيضاً على كسر أشعة الشمس الداخلة من السقف.


Photo by Giulio Aprin

في الجزء العلوي من المنزل، خلف المطبخ والفناء المظلل، تؤدي درجات السلم إلى شرفة كبيرة على السطح الذي يعرض بانوراما تشكيلية من الحواجز المنخفضة، والتيجان، والأدراج، والممرات التي تربط كل جار مع جاره.


Photo by Giulio Aprin


مقاطع  المنازل في غدامس.

Source: Eltrapolsi, Ali. “The Efficient Strategy of Passive Cooling Design in Desert Housing: A Case Study in Ghadames, Libya.” (2016)


Photo Source: Alabid, Jamal & Taki, Ahmad & Painter, Birgit. (2016)

  • استخدام أنظمة التهوية الطبيعية باستخدام الافنية الداخلية بين المنازل و الباب الذي يفتح في سقف المنزل الذي يعمل كفتحة تهوية تعمل على سحب الهواء الحار من داخل المبنى و ادخال الهواء الرطب ليلاً معتمدة على فيزيائية الهواء الساخن الذي ينتقل إلى الأعلى.
  • تقليل حجم الفتحات الخارجية.
  •  المزارع المتخللة بين المنازل. بعض قطع الأراضي مقسمة بأسوار وممرات ضيقة. تتدفق لها مياه الري في قنوات وسط الممرات أو أعلى الجدران.


Photo by Giulio Aprin


Photo source: Kuwait Times

 


 

المصادر:

  • الاستدامة في العمارة الصحراوية. دراسة وتحليل المعالجات المعمارية المستخدمة لتقليل الكسب الحراري في المناطق  الصحراوية. دراسة لمدينة غدامس. د. حمزة محمد ابوبكر الخازمي, د.فوزي محمد عقيل. المؤتمر الهندسي الثاني لنقابة المهن الهندسية بالزاوية 2019.
  • نسرين سلمان. (2024). غدامس الليبية مفترق طرق حضارات العالم ولؤلؤة الصحراء المهددة بالزوال.

 

  • Alabid, Jamal & Taki, Ahmad & Painter, Birgit. (2016). 21st Century Human Habitat: Issues, Sustainability and Development 131 Control of Daylight and Natural Ventilation in Traditional Architecture of Ghadames, Libya.
  • Eltrapolsi, Ali. “The Efficient Strategy of Passive Cooling Design in Desert Housing: A Case Study in Ghadames, Libya.” (2016).
  • Alabid, J., Taki, A.H., & Painter, B. (2017). Simulation of Traditional and Contemporary Dwellings in Ghadames, Libya.
  • Kuwait times. (2021). Libya welcomes back tourists after years of war.
  • Giulio Aprin. (2024). Ghadames, the perfect Caravan Town of the Sahara.
  • Isabella Hannah. (2024). Ghadames was Libya’s peaceful mud hub for caravan trade.
  • Fiona Dunlop. (2022). Ghadames: Is this the perfect desert town?