موت مهنة العمارة بدأ فعلا … والذكاء الاصطناعي لا يرحم

د. سامر الرطروط – 26 تموز 2025 – الذكاء الاصطناعي لا يهدد فقط مهنة العمارة, بل يعلن نهايتها القريبة!

الحديث عن الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية فكرية او توقعا مستقبليا. بل واقعا يفرض نفسه بقوة، ويهدد باعادة تشكيل المهن الابداعية من جذورها، وعلى رأسها الهندسة المعمارية.

خلافا للسرديات المتفائلة التي تصفه بانه “اداة مساعدة”، فان الذكاء الاصطناعي يقترب بخطى ثابتة من قلب العملية التصميمية، ليس كمساعد، بل كبديل. قدراته المتنامية على استيعاب البيانات، وتحليل المعايير، وتوليد البدائل التصميمية المعقدة بسرعة مذهلة، تضع المهنة على حافة التحول الكامل.

الوعود التي تروج عن “وظائف جديدة” يخلقها الذكاء الاصطناعي صحيحة جزئيا. لكنها وظائف تتطلب مهارات رقمية متقدمة، تختلف جذريا عن المهارات المعمارية التقليدية. فجأة، يصبح الاتقان في ادوات مثل البرمجة، التعلم الالي، وتوجيه النماذج الذكية، اكثر اهمية من معرفة التكوين، والفراغ، والمقياس.

المشكلة الاعمق: وتيرة هذا التحول تفوق قدرة البشر على التكيف. الزمن اللازم لاعادة التأهيل، وتعلم المهارات الجديدة، لا يتوافق مع تسارع الابتكار. ليست هناك فسحة للتأقلم التدريجي. ما يحدث الآن ليس تطورا طبيعيا بل كويكب نيزكي تقني كارثي على وشك الاصطدام بكوكبنا.

البشر يتكيفون على مدى اجيال. اما الثورة الرقمية الحالية، فتتحرك بسرعة الضوء، بلا رحمة، ولا انتظار. لم يعد ممكنا كبحها او حتى فهم ابعادها الكاملة في الوقت الحقيقي.

تأملات كثيرة تشير الى ان التعليم المعماري الحالي اصبح مفصولا عن الواقع الجديد. مناهج تعتمد على ادوات بائدة، وتخرج اجيالا غير مهيأة لمستقبل تهيمن عليه الخوارزميات. ليس مجرد قصور مؤقت، بل انقطاع جذري بين ما يدرس في القاعات، وما يطلب في السوق.

مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، سيصبح من الصعب تبرير التكاليف المرتفعة لتوظيف مهندس معماري بشري، في ظل وجود انظمة قادرة على انتاج تصاميم متكاملة بسرعة، وباقل هامش للخطأ، وبتكلفة شبه صفرية.

الوظائف التقليدية في التصميم المعماري تواجه خطر الزوال. رسامو المخططات، مصممو الواجهات، حتى المفكرون المفاهيميون، قد يجدون انفسهم خارج اللعبة. تبدأ الخوارزميات بالمهام التكرارية، ثم تنتقل تدريجيا الى المهام الابداعية، حتى لا يبقى شيء تقريبا.

المهنة، في شكلها الذي عرف لعقود، تتقلص الى حفنة من المشرفين على انظمة ذكية. الدور الانساني يتحول من صانع قرار الى مفسر لقرارات الآلة. هذا التحول ليس تطورا طبيعيا في مسيرة العمارة، بل نهاية لنموذجها المعرفي التقليدي.

المستقبل لم يعد في طور التكوين… لقد بدأ.

والسؤال الآن لم يعد: متى؟

بل: من سيبقى؟ وباي شكل؟

وهل ما سيبقى يستحق ان يسمى “هندسة معمارية”؟

 

الكاتب: الدكتور سامر الرطروط
مهندس معماري وأكاديمي واستشاري معتمد في السعودية والأردن، حاصل على الدكتوراه في العمارة من جامعة تكساس A&M – الولايات المتحدة، وعمل أستاذاً مساعداً في الجامعة الأردنية والجامعة الألمانية الأردنية. باحث في مجال حفظ التراث والعمارة الرقمية، ومن أبرز اهتماماته نمذجة معلومات البناء (BIM)، الاستدامة، والممارسات الخضراء.