من إسنا إلى بيت لحم: العمارة العربية تفوز بجائزة الآغا خان 2025

  • تاريخ النشر: 13-09-2025

أعلنت جائزة الآغا خان للعمارة في 2 سبتمبر/أيلول 2025 أسماء الفائزين بدورتها السادسة عشرة (2023–2025)، مؤكِّدةً دور العمارة كحافز للتعدديّة والمرونة المجتمعية والتحوّل الاجتماعي والحوار الثقافي والتصميم المتكيّف مناخيًا.

ضمن هذا السياق، سجّل العالم العربي حضورًا مركّبًا بفوز مشروعين من مصر وفلسطين: «إحياء/إعادة تأهيل إسنا التاريخية» في الأقصر، و«مجلس العجب» في بيت لحم.

إسنا (مصر): من ترميم الشواهد إلى تنشيط «الأيض الحضري» لمدينةٍ كاملة:

يُنسَب مشروع «Revitalisation of Historic Esna» إلى شركة «تكـوين للتنمية المجتمعية المتكاملة» بقيادة المعماري كريم إبراهيم، وهو مُدرَج رسميًا كأحد الفائزين في دورة 2023–2025.
يشرح بيان الجائزة أنّ المشروع تجاوز مقاربة «أثرٍ منفصل» إلى استراتيجية حضرية تُنشِّط «الأيض التاريخي» للمدينة بما يواكب تحسين شروط العيش المعاصرة.
يقوم المشروع على حزمة متكاملة: تدخلاتٍ عمرانية مادية، ومبادراتٍ اجتماعية-اقتصادية، واستراتيجياتٍ حضرية مبتكرة, بما يحوّل إسنا من موقعٍ مهمَل حول معبد خنوم إلى نسيجٍ تاريخي مزدهر.
تشمل الأعمال المادية الحفاظ على وكالة الجداوي (القرن 18) وإعادة استخدامها، وترقية سوق القيصريّة وشارع البازار، وترميم «البيت الملكي للضيافة» (القرن 19)، وتأهيل 15 موقعًا معماريًا ذا قيمة، مع اعتماد مواد محلية وتقنيات تقليدية مُستعادة.
ويتجاوز الأثر البِنائي إلى بناء القدرات: تدريب أكثر من 430  مشاركًا محليًا و18  منشأة صغيرة ومتوسطة على مهارات الأعمال، وتوثيق التراث الثقافي والمعماري، وإطلاق مبادرات نسائية («مطبخ السيدات» و«ورشة النجارة النسائية») بما يُظهر كيف يغدو التراث رافعةً للتمكين الاقتصادي.

تُبيّن بيانات الجائزة أنّ المبادرة أعادت تعريف الحوكمة الحضرية، وألغت خطط هدم، وخلقت مئات فرص العمل، مقدّمةً نموذجًا قابلًا للتكرار للتنمية المستدامة في مدنٍ مصرية متوسطة الحجم.
ومع هذا الفوز، تعود مصر إلى منصّة الجائزة بعد أكثر من عقدين على آخر تتويجٍ مماثل، وهو ما وثّقته تغطيات صحفية مصرية أشارت إلى أنّ إنجاز إسنا هو الأول منذ 2004.

تدل بنية المشروع على تحوّل من «ترميم الواجهة» إلى «إدارة منظومة تراث-معيش»؛ إذ يُعاد وصل البيت بالسوق، والحرفي بالزائر، والمبنى بالبنية الاجتماعية، بما يحرّك اقتصادًا محليًا قائمًا على الذاكرة الحيّة لا على الفولكلور المتحفي.

هذه المقاربة المتكاملة (إسكان، تجارة، حِرف، مسارات سياحية، وتمكين) تؤسّس لـ«ترميمٍ وظيفي» يَحرس الهوية ويُنتج معنىً حاضرًا في آن، وهو بالضبط ما امتدحته لجنة التحكيم بوصفه استجابة حضرية قادرة على تحسين شروط الحياة لا مجرّد حماية الشكل.

 

مجلس العجب (فلسطين): عمارة «اتصال» تُحوِّل الإنتاج الثقافي إلى بنيةٍ مدنية:

يُنسب المشروع إلى مكتب AAU Anastas، وهو مُدرج رسميًا كفائز في دورة 2023–2025 مع توصيفٍ دقيق لبرنامجه ووظيفته العامة في بيت لحم.
تُحدِّد الوثائق الرسمية المعماريَّين الشقيقين إلياس و يوسف (أنْسُتاس) كقادةٍ للمشروع، وتعرض تفصيلًا للمساحات والبرنامج وتعدد مستويات الفضاء.
ينبني المبنى على شبكة خرسانية خام ذات واجهات زجاجية قابلة للفتح على الواجهتين الأمامية والخلفية، بما يحقّق شفافيةً بصرية وتهويةً طبيعية، ويجعل «الفجوة المقطعية» (Void) محورًا يَصِل الطوابق الثلاثة وظيفيًا وبصريًا.

يقدّم البرنامج مزيجًا متماسكًا: ورش إنتاج، محطّة إذاعية، مطعم/مطبخ، متجر، مكاتب، ومنصّات عمل للفنانين والحرفيين، بحيث يتحوّل المبنى إلى بنيةٍ مدنية تحتضن التعلم والتصنيع الثقافي معًا.

وتتجلّى الدقّة الحرفية في التفاصيل: نوافذ «كُوَّات» معدنيّة مخروطية في بيت الدرج بإخراجٍ يَقصِد تأطير المشهد الطبيعي، إلى جانب «دوّارة» من حروفٍ فولاذية على السطح تعمل كمِرْوَحَة رياح, كلاهما إنتاج حرفيين محليين.
تصف لجنة التحكيم المشروع بأنه «معمار اتصال» يجسّد مقاومةً بالثقافة عبر مؤسّسةٍ أنشأها المعماريون أنفسهم، تُعيد تقديم الفعل المعماري بوصفه دورًا مواطنيًا يجمع المُبادِر والعميل والمصمّم والفاعل الثقافي.

إذا كان مشروع إسنا يشتغل على «الأيض الحضري»، فإن «مجلس العجب» يشتغل على «الأيض الثقافي» عبر تحويل الإنتاج (صُنعًا وعرضًا وتعلّمًا) إلى ممارسةٍ عمرانية يومية؛ فالبناء هنا ليس غايةً بل وسيطٌ لبناء شبكات المعرفة والعيش المشترك.

تكشف لغة الخرسانة المجرّدة، والواجهات الشفّافة، والفراغ المقطعي، عن تصميمٍ يوازن بين اقتصاد الوسيلة وغنى التجربة، بحيث تَصدر التعقيدية المكانية من بساطة نظام إنشائي مُقنّن، وهو ما سجّلته وثائق الجائزة تفصيلاً.
وبهذا يغدو «مجلس العجب» نموذجًا لعمارةٍ تُقاوم سياق المحو بالتجذّر الإنتاجي لا بالشعار؛ فالفن والحرفة، والإطلالة على الوادي، واشتباك الداخل بالخارج، كلّها عناصر تُعيد تعريف حضور المدينة وإمكانها الثقافي.

 

 

المصادر:

أحدث المقالات المضافة

مشاريع

Tags